فصل: تفسير الآية رقم (45):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (45):

{فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)}
{دَابِرُ القوم} آخرهم، وذلك عبارة عن استئصالهم بالكلية {والحمد للَّهِ} شكر على هلاك الكفار فإنه نعمة على المؤمنين وقيل: إنه إخبار على ما تقدم من الملاطفة في أخذه لهم بالشر ليزدجروا، أو بالخير ليشكروا حتى وجب عليهم العذاب بعد الإنذار والإعذار.

.تفسير الآيات (46- 47):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47)}
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ} الآية. احتجاج على الكفار أيضاً {يَأْتِيكُمْ بِهِ} الضمير عائد على المأخوذ {يَصْدِفُونَ} أي يعرضون {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ} الآية: وعيد وتهديد، والبغتة ما لم يتقدم لهم شعور به، والجهرة ما بدت لهم مخايلة، وقيل بغتة بالليل، وجهرة بالنهار.

.تفسير الآيات (50- 51):

{قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51)}
{قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ الله} الآية: أي لا داعي شيئاً منكراً ولا يستبعد، إنما أنا نبي رسول كما كان غيري من الرسل {الأعمى والبصير} مثال للضال والمهتدي {وَأَنذِرْ بِهِ الذين يَخَافُونَ} الضمير في به يعود على ما يوحى، والإنذار عام لجميع الناس، وإنما خصص هنا بالذين يخافون، لأنه قد تقدّم في الكلام ما يقتضي اليأس من إيمان غيرهم فكأنه يقول: أنذر الخائفين لأنه ينفعهم الإنذار، وأعرض عمن تقدّم ذكر من الذين لا يسمعون ولا يعقلون، {لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ} في موضع الحال من الضمير في يحشروا، واستئناف إخبار {لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} يتعلق بأنذر.

.تفسير الآية رقم (52):

{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)}
{وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} الآية: نزلت في ضعفاء المؤمنين. كبلال، وعمار بن ياسر، وعبد الله بن مسعود، وخباب وصهيب، وأمثالهم، وكان بعض المشركين من قريش قد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لا يمكننا أن نختلط مع هؤلاء لشرفنا فلو طردتهم لاتبعناك، فنزلت هذه الآية عبارة عن دوام الفعل، ويدعون هنا من الدعاء وذكر الله أو بمعنى العبادة {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} إخبار عن إخلاصهم لله وفيه تزكية لهم {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم} الآية؛ قيل: الضمير في حسابهم للذين يدعون، وقيل: للمشركين، والمعنى على هذا لا تحاسب عنهم، ولا يحاسبون عنك، فلا تهتم بأمرهم حتى تطرد هؤلاء من أجلهم، والأوّل أرجح، لقوله: {وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الذين آمنوا} [هود: 29] وقوله: {إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ على رَبِّي} [الشعراء: 113]، والمعنى على هذا أنّ الله هو الذي يحاسبهم فلأي شيء تطردهم {فَتَطْرُدَهُمْ} هذا جواب النفي في قوله ما عليكم {فَتَكُونَ مِنَ الظالمين} هذا جواب النهي في قوله ولا تطرد أو عطف على فتطردهم.

.تفسير الآيات (53- 54):

{وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)}
{وكذلك فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} أي ابتلينا الكفار بالمؤمنين، وذلك أن الكفار كانوا يقولون أهؤلاء العبيد والفقراء منَّ الله عليهم بالتوفيق للحق والسعادة دوننا، ونحن أشراف أغنياء، وكان هذا الكلام منهم على وجه الاستبعاد بذلك {أَلَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بالشاكرين} ردّ على الكفار في قولهم المتقدّم {وَإِذَا جَآءَكَ الذين يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سلام عَلَيْكُمْ} هم الذين نُهيَ النبي صلى الله عليه وسلم عن طردهم بل أمر بأن يسلم عليهم إكراماً لهم وأن يؤنسهم بما بعد هذا {كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة} أي: حتّمها وفي الصحيح: إن الله كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي {أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سواءا} الآية، وعد بالمغفرة والرحمة لمن تاب وأصلح، وهو خطاب للقوم المذكورين قبل، وحكمها عام فيهم وفي غيرهم والجهالة قد ذكرت في [النساء: 16] وقيل: نزلت بسبب أن عمر بن الخطاب أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرد الضعفاء عسى أن يسلم الكفار، فلما نزلت لا تطرد ندم عمر على قوله وتاب منه فنزلت الآية، وقرئ أنه بالفتح على البدل من الرحمة وبالكسر على الاستئناف وكذلك فإنه غفور رحيم بالكسر على الاستئناف وبالفتح خبر ابتداء مضمر تقديره فأمره أنه غفور رحيم، وقيل: تكرار للأولى لطول الكلام.

.تفسير الآيات (55- 56):

{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56)}
{وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ} الإشارة إلى ما تقدّم من النهي عن الطرد وغير ذلك، وتفصيل الآيات شرحها وبيانها {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المجرمين} بتاء الخطاب ونصب السبيل على أنه مفعول به، وقرئ بتاء التأنيث ورفع السبيل على أنه فاعل مؤنث وبالباء والرفع على تذكير السبيل، لأنه يجوز فيه التذكير والتأنيث {الذين تَدْعُونَ} أي تعبدون {قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً} أي إن اتبعت أهواءكم ضللت.

.تفسير الآية رقم (57):

{قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57)}
{على بَيِّنَةٍ} أي على أمر بيِّن من معرفة ربي والهاء في بينة للمبالغة أو للتأنيث {وَكَذَّبْتُم بِهِ} الضمير عائد على الرب أو على البينة {مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} أي العذاب الذي طلبوه في قولهم: فأمطر علينا حجارة من السماء، وقيل: الآيات التي اقترحوها والأول أظهر {يَقُصُّ الحق} من القصص وقرئ يقضي بالضاد المعجمة من القضاء وهو أرجح لقوله: {وَهُوَ خَيْرُ الفاصلين} أي الحاكمين.

.تفسير الآية رقم (58):

{قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)}
{قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأمر} أي لو كان عندي العذاب على التأويل الأوّل، والآيات المقترحة على التأويل الآخر، لوقع الانفصال وزال النزاع لنزول العذاب أو لظهور الآيات.

.تفسير الآية رقم (59):

{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)}
{وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب} استعارة وعبارة عن التوصل إلى الغيب كما يتوصل بالمفاتح إلى ما في الخزائن، وهو جمع مفتح بكسر الميم بمعنى مفتاح، ويحتمل أن يكون جمع مفتح بالفتح وهو المخزن {وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظلمات الأرض} تنبيه بها على غيرها لأنها أشدّ تغييباً من كل شيء {كتاب مُّبِينٍ} اللوح المحفوظ، وقيل: علم الله.

.تفسير الآية رقم (60):

{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60)}
{يتوفاكم باليل} أي إذا نمتم، وفي ذلك اعتبار واستدلال على البعث الأخروي {مَا جَرَحْتُم} أي ما كسبتم من الأعمال {يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} أي يوقظكم من النوم، والضمير عائد على النهار لأن غالب اليقظة فيه، وغالب النوم بالليل {أَجَلٌ مُّسَمًّى} أجل الموت.

.تفسير الآيات (61- 66):

{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66)}
{حَفَظَةً} جمع حافظ وهم الملائكة الكاتبون {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} أي الملائكة الذين مع ملك الموت {ثُمَّ ردوا} خروج من الخطاب إلى الغيبة، والضمير لجميع الخلق {قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ} الآية: إقامة حجة، وظلمات البر والبحر: عبارة عن شدائدهما وأهوالهما كما يقال لليوم الشديد: مظلم {عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قيل: الذي من فوق إمطار الحجارة، ومن تحت الخسف، وقيل: من فوقكم: تسليط أكابركم، ومن تحت أرجلكم: تسليط أسافلكم، وهذا بعيد {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً} أي يخلطكم فرقاً مختلفين {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} بالقتال، واختلف هل الخطاب بهذه الآية للكفار أو المؤمنين؟ وروي أنه لما نزلت أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعوذ بوجهه، فلما نزلت من تحت أرجلكم قال: أعوذ بوجهك، فلما نزلت أو يلبسكم شيعا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا أهون»، فقضى الله على هذه الأمة بالفتن والقتال إلى يوم القيامة {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} الضمير عائد على القرآن، أو على الوعيد المتقدم، وقومك هم قريش {لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} أي بحفيظ ومتسلط، وفي ذلك كتاركه نسختها آية القتال.

.تفسير الآية رقم (67):

{لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67)}
{لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ} أي في غاية يعرف عندها صدقه من كذبه {يَخُوضُونَ في آياتنا} في الاستهزاء بها والطعن فيها {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} أي قم ولا تجالسهم {وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشيطان} إما مركبة من إن الشرطية وما الزائدة، والمعنى إن أنساك الشيطان النهي عن مجالستهم، فلا تقعد بعد أن تذكر النهي.

.تفسير الآيات (68- 69):

{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69)}
{وَمَا عَلَى الذين يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ} الذين يتقون هم المؤمنون والضمير في حسابهم للكفار والمستهزئين، والمعنى ليس على المؤمنين شيء من حساب الكفار على استهزائهم وإضلالهم، وقيل: إن ذلك يقتضي إباحة جلوس المؤمنين مع الكافرين، لأنهم شق عليهم النهي عن ذلك؛ إذا كانوا لابد لهم ممن مخالطتهم في طلب المعاش، وفي الطواف بالبيت وغير ذلك، ثم نسخت بآية النساء، وهي {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكتاب أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيات الله} [النساء: 39] الآية، وقيل: إنها لا تقتضي إباحة العقود {ولكن ذكرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} فيه وجهان أحدهما أن المعنى ليس على المؤمنين حساب الكفار، ولكن عليهم تذكيراً لهم، ووعظ، وإعراب ذكرى على هذا نصب على المصدر وتقديره يذكرونهم ذكرى، أو رفع على المبتدأ تقديره عليهم ذكرى، والضمير في لعلهم عائد على الكفار: أي يذكرونهم رجاء أن يتقوا أو عائد على المؤمنين أي يذكرونهم ليكون تذكيرهم ووعظهم تقوى الله. الوجه الثاني: أن المعنى ليس نهي المؤمنين عن القعود مع الكافرين بسبب أن عليهم من حسابهم شيء، وإنما هو ذكرى للمؤمنين، وإعراب ذكرى على هذا خبر ابتداء مضمر تقديره: ولكن نهيهم ذكرى أو مفعول من أجله تقديره: إنما نهوا ذكرى، والضمير في لعلهم على هذا للمؤمنين لا غير.

.تفسير الآية رقم (70):

{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)}
{وَذَرِ الَّذِينَ} قيل إنها متاركة منسوخة بالسيف، وقيل: بل هي تهديد فلا متاركة ولا نسخ فيها {اتخذوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً} أي اتخذوا الدين الذي كان ينبغي لهم لعباً ولهواً لأنهم سخروا منا واتخذوا الدين الذي يعتقدونه لعباً ولهواً؛ لأنهم لا يؤمنون بالبعث فهم يلعبون ويلهون {وَذَكِّرْ بِهِ} الضمير عائد على الدين أو على القرآن {أَن تُبْسَلَ} قيل: معناه أن تحبس، وقيل: تفضح، وقيل: تهلك وهو في موضع مفعول من أجله أي ذكر به كراهة أن تبسل نفس {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ} أي: وإن تعط كل فدية لا يؤخذ منها.

.تفسير الآية رقم (71):

{قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)}
{قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ الله} الآية: إقامة حجة وتوبيخ للكفار {وَنُرَدُّ على أَعْقَابِنَا} أي نرجع من الهدى إلى الضلال وأصل الرجوع على العقب في المشي، ثم استعير في المعاني، وهذه جملةمعطوفة على أندعوا، والهمزة فيه للإنكار والتوبيخ {كالذي استهوته الشياطين} الكاف في موضع نصب على الحال من الضمير في نرد: أي كيف نرجع مشبهين من استهوته الشياطين، أو نعت لمصدر محذوف تقديره رداً كرج الذ، ومعنى استهوته الشياطين: ذهبت به في مهامه الأرض، وأخرجته عن الطريق فهو: استفعال من هوى يهوي في الأرض إذا ذهب فيها، وقال الفارسي: استهوى بمعنى: أهوى ومثل استذل بمعنى أذل {حَيْرَانَ} أي ضال عن الطريق، وهو نصب على الحال من المفعول في استهوته {لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الهدى ائتنا} أي لهذا المستهوي أصحاب وهم رفقة يدعونه إلى الهدى، أي إلى أن يهدوه إلى الطريق، يقولون له: ائتنا، وهو قد تاه وبعد عنهم فلا يجيبهم؛ وهذا كله تمثيل لمن ضل في الدين عن الهدى، وهو يدعى إلى الإسلام فلا يجيب، وقيل: نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق حين كان أبوه يدعوه إلى الإسلام، ويبطل هذا قول عائشة: ما نزل في آل أبي بكر شيء من القرآن إلا براءتي.

.تفسير الآيات (72- 73):

{وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)}
{وَأَنْ أَقِيمُواْ} عطف على لنسلم، أو على مفعول أمرنا {قَوْلُهُ الحق} مرفوع بالابتداء وخبره يوم يقول، وهو مقدم عليه والعامل فيه معنى الاستقرار كقولك يوم الجمعة القتال، واليوم بمعنى الحين وفاعل يكون مضمر، وهو فاعل كن أي حين يقول لشي كن: فيكون ذلك الشيء {وَلَهُ الملك} ظرف لقوله: كقوله: {لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ} [غافر: 66]؛ وقيل في إعراب الآية غير هذا مما هو ضعيف أو تخليد {عالم الغيب والشهادة} خبر ابتداء مضمر.